مواجهة الاحتجاجات بالقمع يرفع سقف المطالب
(1)
الاحتجاجات تبدأ مطلبية و حقوقية و عندما تواجهها السلطات بالقمع و الغطرسة كما يحدث الآن مع النقابيين في صنعاء لا تحل المشكلة رغم توهم السلطة أنها أخمدت الصوت المطالب و أرغمته على ما تريد..
تظل تلك المطالب تظهر و تخبو، حتى تأتي اللحظة و يرتفع سقف المطالب حتى تغدو مطالبة بإسقاط منظومة الفساد، ثم تصير سياسية، و تصير المطالبة باسقاط منظومة الحكم من الرأس إلى الساس لحوحة و ملجئه .. و ما كانت المطالب لتبلغ هذا المبلغ لولا غرور السلطة و القمع و نفاق و مزايدة الأجهزة الأمنية التي تحاول أن تتقرب و تتزلف للصف القيادي الأول في هرم السلطة بالكذب و المبالغة بالقمع..
(2)
كانت مطالب الجنوبيين في بداية الأمر حقوقية و مطلبية، غير أن السلطة كانت مغرورة بالقوة و القمع و الثقة الخادعة .. فتحولت المطالب الحقوقية إلى مطالب و احتجاجات سياسية، و ترافق ذلك مع قمع و نهب و فساد و إقصاء للجنوب، ليقابله حراك انفصالي ظل يكبر و يشتد، و يتحول بفعل القمع و التضييق و التسلط، و هشاشة قياداته و خواءها، إلى حراك في جله عدمي و عنصري و مشبع بالكراهية، و وجد القادم المحتل ضالته فيه، و وظفه كحامل سياسي لصالح أطماعه و أجنداته .. و ما كان هذا ليحدث لو كانت السلطة آنذاك قد تعاطت أمام تلك المطالب بمسؤولية و حكمة و عدالة..
و ينطبق هذا أيضا على الحركة الحوثية التي بدأت بمطالب حقوقية، تم مواجهتها دون حكمة بستة حروب، لتنتهي بجائحة تنتقم من كل شيء و أوله من سلبية المجتمع حال ما كانت تعيشه من مظلومية، ثم قامرت بالوطن هي و غيرها من قيادات القوى و الأحزاب التي حاولت الاستقواء بالخارج، و ساهمت في خلق مبررات التدخل الأجنبي السافر و المعلن، و الكارثة أنها تحاول اليوم ابتلاع المجتمع بأيدولوجيتها، و فرض تفاصيلها على كينونته و تفاصيل حياته، بالغلبة و القوة و السطوة، و أوغلت في الفساد و القمع، و تحاول أن تلغي بالغلبة كل مظاهر و معالم الدولة و المدنية و الإدارة و المواطنة في المحافظات الخاضعة لها..
و اليوم صارت كل الأطراف تنتج وعيا مشوها و اقصائيا يمزق المجتمع، و يفتته، و يشعل الكراهية بكل وجوهها الدميمة، و يسترخص الدماء، و يزهق الأرواح، و يعيث في الأرض فسادا و توحشا و دمارا .. و صارت تلك الأطراف تدعي أنها أقل قبحا و قمعا و دمامة من بعض، فيما نحن صرنا نرى أن الفرق بينهن يضيق و يتشابه..
ثم تدرك قيادة السلطة الخطر المحدق عليها، و تقدم التنازلات و التوسلات، و يكون الوقت قد نفذ، و موعد استحقاق اسقاط السلطة قد بدأ أو حان موعده، و تكون الاحتقانات قد بلغت أشدها هنا و هناك، و لم تعد تفيد أو تجدي صاحبها تلك التنازلات و التوسلات، فيسقط ما كان يظن أنه عصي عن الاسقاط أو يعتقد أن سقوطه مستحيل..
(3)
اليوم صارت الاحتجاجات و الفعاليات و العمل المدني في المجمل ممنوعا و محرما إن تعارض مع مصالح و فساد سلطات الأمر الواقع في صنعاء أو عدن أو تعز أو مأرب أو غيرها .. و بعضها صارت تقمع النقابات و المواطنين على نحو غير مسبوق، بل بعض السلطات مثل صنعاء باتت تتطلع إلى أن تمنع عنهم حتى حق اصدار بيان نقابي أو حقوقي أو بيان مطالبة، و هو ما يعني ردة صادمة و كبيرة، نحو الاستبداد و الاستفراد و الإقصاء و الفوضى..
توحش النهب و الفساد ليطول كل شيء .. نهب النفط و الثروة و الرواتب و الموارد و الأرضي، و انتشرت العصابات و المافيات من كل نوع, و طال الفساد حتى المنظمات الدولية التي يفترض أنها جاءت لتساعد أو تخفف عن الشعب اليمني الجوع و الفقر و المرض و مآسي الحرب..
أما الانتهاكات فقد بلغت حد غير مسبوق .. القتل خارج القانون، و التعذيب المريع، و قيد الحرية الطويل للأبرياء بتهم كاذبة، و مبررات واهية كالاشتباه، و أيضا نسف المنازل، و مصادرة الأموال و الحقوق دون قانون أو قضاء، بل جرى تسيس و تحزيب كل شيء له علاقة بالقانون أو الدستور أو المؤسسات، من قبل سلطات الأمر الواقع هنا أو هناك..
للاشتراك في قناة أحمد سيف حاشد على التليجرام انقر هنا
اترك تعليقًا